الخميس، فبراير 26، 2009
الهجرة الجهرية
ذات صيف قررت أن أهاجر من القرية إلى المدينة جهرا وليس سرا للبحث عن أفق جديد لأن الجفاف لم يعد ضيفا غريبا على القرية ورؤوس الغنم بدأت تنفق ،في ذاك الصيف من 2004 وصلت إلى العاصمة الاقتصادية لم تكن أول مرة ازور فيها البيضاء كنت أزورها منذ كان عمري 12 سنة لكن هذه الزيارة اختلفت لأن الغاية منها ليس الاستجمام أو قضاء أيام في ضيافة أبناء القرية ولكن الغاية هي البحت عن أفق ،وأي أفق!
بحث بحثا مضنيا ،ووقفت وقوفا طويـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا أمام البوابات بوابات المصانع الكبرى وبعض الشركات ،شركات اللصوص الذين يسرقون الناس ليل نهار ،التقيت أشخاصا أتت بهم الظروف ورمتهم تحت رحمة جشع رجال المال الأغبياء ،قياسا على مرشحي جماعتنا الأغنياء! كنت أ جد صعوبة مع حارس المعمل أو العساس ،بمجرد ما يأخذ السيفي أو بيان السيرة يرميه حين أودعه ،عندما تتجول لساعات في الحي الصناعي وفي الصيف تحس أنك أفريقي بدون إقامة في دولة تدعي الصرامة !! أنت للتو متخرج من الجامعة ولديك شهادة عليا لا علاقة لها بما يقال في نشرة الأخبار المسائية ،لديك أفكار لها علاقة بسن الطفولة وربما المراهقة ،لديك أحلام لها علاقة بالنوم ليلا وربما حتى اليقظة ،لديك حقد لديه علاقة بدخول الغزاة إلى بلاد الرافدين وقتل الأطفال في فلسطين ،لديك قلب يخفق لمباراة كرة بين فريقين ،أحدهما تحبه جدا والآخر حزين ،لديك أحاسيس مجروحة لم يسعفها الزمن لكي تخرج الى حيز الوجود أحاسيس مردومة في دروب العمر ،لديك طموح كبير يحجبه حراس الأمن ونجمات خمس كتبت على باب الفندق في شارع المقاومة ،قصائد لم تنشر بعد ،ولديك عائلة تنتظر منك أن تعوضهم ما خسروا من أجلك وأنت في سنوات التحصيل الذي تحصل عادة قبل سن الثلاثين ،.....لديك ولديك ولديهم أيضا ما لديهم ،لكن ليس لديهم أدنى فكرة عن الكلام الجميل والشعر والأدب، وعن رغبتك الغير مؤكدة في الترشح لانتخابات الجماعة هذا العام قيل ستكون شفافة هذا العام لكن منافسيك الأغبياء لا يرغبون في أن تنافسهم هذا العام لذلك شطبوا على اسمك من لائحة الجماعة خافوا لمجرد خبر أن تصبح رئيسا للجماعة رغم انك لا تملك مالا لتشتري رئاسة الجماعة ،كيف ستقنع أصدقاءك إذا سمعوا خبر ترشحك ،انك فعلا ستدخل السياسة عن قناعة،؟أمر غريب أن يقنعك شخص أمي انك لا تفهم في السياسة ولن تستطيع تسيير الجماعة .
لماذا نمشي أميالا من اجل البحث عن عمل ،؟لماذا تركونا ندرس في الجامعة إذا الشغل غير متوفر أصلا ،؟ولماذا يهاجر الإنسان إلى بلد آخر تاركا بلده الذي يحبه بعنف مضطرا ؟هل فهل تهجر السمكة الماء مكرهة ؟لا أدري ،
لم يسمعه هذا الشيخ أي احد ولم يكن يدري انه سيتم نشله في أول صعود غير موفق إلى الحافلة الشمطاء ،صاح ويصيح لكن لم يسمعه أحد من يجرأ على اتهام اللص الذي نزل في المحطة السالفة على غفلة من الركاب ،أبناء المدينة ،لم يكن يعلم بوشعيب أن المدينة الكبيرة صعبة بكل المقاييس وأن أحلامه التي قالوا له عنها تحولت إلى كوابيس كان أولها الحافلة ،من سرق له محفظته التي اختفت في لحظة إعجابه بأول زيارة لمدينة كبيرة وهو المسكين الذي كان يجهر في القرية بموعد هجرته وانه سيصبح رجل أعمال ناجح وسيعود للقرية ليترشح للانتخابات ويصبح رئيسا للجماعة وبعد ذلك يصلح حال جمع السكان بما فيذلك حاله ،إذ يتلقى دروس الدعم والتقوية ومحو الأمية في كل الفنون بما في ذلك فن الدعاية في الحملات جهرا واختلاس أموال الجماعة سرا ، كيف ؟ولماذا وهل؟ أسئلة كثيرة تطرح
لكن الاستفهام لا يثار عادة بعد حلول الظلام ....... ربما.
نور الدين البيار
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق