الخميس، مارس 26، 2009

الانتخابات الجماعية بين التنظير السياسي وفقه الواقع



على بعد بضع شهور من هذه الأيام ومع نهاية الأجل المحدد لإعادة التسجيل في اللوائح الانتخابية استعدادا للانتخابات الجماعية والتي لن تخرج عن الإطار المتداول ،في العملية السياسة ككل والانتخابات الجماعية بوجه خاص
إذ شاهدنا في الانتخابات الجزئية العجب العجاب ،لقد كنت من المتابعين عن قرب لسير العملية السياسية في الانتخابات الجزئية في دائرة اسفي الجنوبي فرأيت أشياء وكوابيس وأشباح لا ترى إلا في هذه الدائرة ،حيث تبدأ المشاهد في رسم صورة متعددة الأجناس الكوميديا والدراما والهزل ،الناس يتقاتلون عن 100 درهم للصوت وآخرون اخذوا فقط 50 درهما والباقي أخذه السمسار الذي اخذ المال من عند المرشح الحزبي والذي رشحه حزب عتيد لينوب عن الناس إذا لا قدر الله وفاز، سينوب عنهم داخل القبة ،طبعا .
في ناصية إحدى أزقة الدائرة 12 رمقت بأم عيني سمسارا يخرج من كمه ورقة نقدية وزميله يمسك بيده أوراقا حزبية يناول هو للناخب 50 درهما ويناول صديقه للناخب الورقة التي تحوي الرمز الحزبي ،في طريقة شبيهة ببيع المخدرات ،في الدائرة القريبة عشرات الشباب في الليلة العاشرة لبداية الحملة يتوجهون صوب بيت سمسار آخر للمرشح نفسه ،يتوجهون ويعتصمون وينددون ويهددون ويتوعدونه إذا هو لم يدفع لهم ما أعطاه المرشح فإنهم سيقتحمون عليه الدار ،خرج مساعده طالبا منهم أن يدخلوا فرادى ،ليسلم كل واحد 100 درهم ،اخذوا جميعا 100 درهم بينما أصحاب الدائرة الأخرى لم يأخذوا سوى 50 لأنهم انقسموا، قسم يرفض اخذ الخمسين وقسم رضي بها ،مع العلم أن الشباب الذين اخذوا المئة اغلبهم لم يصوت ومنهم من ليس لديه بطاقة الناخب ،أي سياسة هذه !
يكثر اللغط في قبة البرلمان وتكثر مشاريع القوانين ويكثر المحللون السياسيون والمنظرون في الإذاعة والتلفزيون والمواقع الانترنتية الكثيرة ،بينما تباع أصوات الناخبين وتشرى في السوق السوداء بالدوائر والجماعات القروية وتباع حتى الضمائر ،لكن الغريب أن المرشح لم ينجح ،والناس أصبحت لديهم طرقهم في التعامل مع المرشحين سواء كانوا سياسيين أو غير سياسيين لأن كل سياسي! مرشح وليس كل مرشح سياسي ،الناس يأخذون المال ولا يهم إن صوتوا أولا ،أحدهم قال لي لو أن كل المرشحين يدفعون المال سيكون أمرا رائعا ،قلت له وكيف ستصوت لكل واحد منهم ؟أجابني انه سيأخذ المال من الجميع ويرضي الجميع بوضع علامة على كل الرموز ،!هو ربما لا يدري أنها ملغاة أو يدري ويصر على إرضاء جميع من أعطوه مالا في سخرية واقعية لا علاقة لها بالتنظير السياسي وأناقة السياسيين على الشاشة ،
كلما حاولت أن افهم لا أستطيع، الناس لا يهمهم شيء ولا يأبهون لما يجري ،يقولون بأن المرشحين لا يظهرون إلا في الحملة وما سوى ذلك فهم أشباح تظهر وتختفي ،إذا كان هذا حال انتخابات البرلمان كيف يا ترى سيكون حال انتخابات الجماعة؟ ،إذ لا يمكن الحديث عن البرلمان بمعزل عن الجماعة فهما لفظان لمعنى واحد هو السياسة !فالحزب الذي يرشح أيا كان لخوض انتخابات البرلمان سيرشح أيضا أيا كان وكيفما كان في الانتخابات الجماعية ،لماذا بعض الأحزاب المغربية تفعل هذا الأمر ؟لماذا الأحزاب تقول كلاما في الإعلام على الهواء وتأتي بنقيضه فوق الأرض ؟ في الحقيقة سؤال يحيرني وأريد جوابا من زعماء الأحزاب الأبرار لأنهم هم من يمنح التزكية ويتخذ القرار ،فالحمد لله نحن في المغرب عندنا فائض في حاملي الشهادات لماذا تصر الأحزاب على اختيار من هب ودب وتنسى حاملي الشهادات إذا كانت لديها فعلا رغبة في التغيير وتخليق العملية السياسية! أم أن المقاعد هو ما يهمها ؟ هل رأيتم فقيرا ومعطلا في البرلمان أم أن السياسة حكر على احد دون احد ،؟ أكيد ،فلم الضحك على الذقون وعلى الهواء مباشرة؟إذا كان ما يهم الأحزاب هو المقاعد فحسب فعلى السياسة السلام ،شخصيا اعتبر هذا النوع من الأحزاب لا علاقة له بشيء اسمه السياسة ولا علاقة له بالشعب ولا علاقة له بالتغيير مهما قالوا ومهما قيل ومهما سيقال ،يحزنني كثيرا حال هذا الوطن ،الناس في الضفاف الأخرى يتنافسون على التقدم والتكنولوجيا وتحسين مستوى عيش السكان والطب والبحث العلمي ..
ونحن نتنافس على المقاعد في البرلمان
و الجماعات وتفويت الصفقات ، إلى متى سيستمر هذا المسلسل الانتخابي المائع ومتى يلبس سياسيونا جبة العمل السياسي الواقعي والفعال من أجل الدفاع عن مصالح الشعب ؟ الشعب الذي يطمح أن يرى يوما ما سياسيين شباب يقودون الأحزاب ،الأحزاب التي تفهم في السياسة بالمعنى الحقيقي وليس النظري .
نحن ننتظر بشوق وعلى بعد أربعة أشهر من الانتخابات الجماعية والتي تعرف تدهورا صارخا في طريقة اختيار الرئيس والأعضاء ،الانتخابات الجماعية التي يتم فيها خطف الأعضاء وار شاءهم بمبالغ قد تفوق الواقع من أجل أن يصوتوا عليه في الخيال !!! ترى لماذا يخسر كل هذا المال من اجل الرئاسة هل من اجل سواد عيوننا نحن الناخبين ؟؟!ربما ،
يفعل هذا ليفوز برئاسة الجماعة ويركب بالمجان هو وعائلته في سيارة نقش في مؤخرتها باللون الأحمر حرف الجيم ،الرئيس الذي بني عمارتين وينتظر الثالثة على أحر من الجمر بعدما لم يكن يملك شيئا ، الرئيس الذي في علمه أو هو لا يعلم!! أنه ينبغي أن يحاسب أو نسي المسؤولون عنه أن يحاسبوه بينما، لا يزال يمشي في الأرض مرحا ،الرئيس الذي لا يفرق بين الأغلبية والمعارضة ،والله العظيم أعرف مرشحين جماعيين لا يعرفون أسماء الأمناء العامين للأحزاب التي ينتمون إليها،مع العلم أن الفرع وكتاب الفرع ،وفرع الحزب وحزب الفرع !! هم من زكى هؤلاء ،ولا نزكي على الله أحدا،ليرشحوا أنفسهم في هذه الدائرة أو تلك ،بالله عليكم ماذا تنتظرون من هؤلاء ؟ طيب ستسألونني عن المرأة القروية ومحلها من الإعراب في العملية السياسة ،المرأة غير موجودة في الأجندة السياسية للأحزاب الوطنية ،لأنها لن تنجح وما يهم كما ذكرنا آنفا هو المقاعد ،ومرشح أمي وغبي يحصل على أصوات خير من امرأة مثقفة ليس لديها صوت ، يا إلاهي أي تكتيك هذا!؟
إن المتتبع لما يجري في المسرح الحزبي والسياسي المغربي بوجه عام ،حتما سيصاب بالصداع إذا كان من الغيورين حقا على مصالح الأمة ،أما إذا لم يكن يهمه الأمر، فهو حتما سيصاب بالتخمة السياسة من كثرة الأصوات والامتيازات قياسا على التخمة التي تصيب من يأكل بنهم شديد غير منتبه لما ستؤول إليه حالته الصحية،حينما يرد إلى أرذل العمر ، آنذاك يشعر بالندم الشديد على ضياع السنوات في الحملات وولائم الانتخابات ،، و لات حين مندم ،كم من المرشحين يساءل نفسه ؟وكم منهم من عاد إلى رشده ؟كل ما يهمهم هو الصناديق تلو الصناديق ،وأما من ملا الصناديق مكرها لا بطلا فليس له من الأمر شيء وليس لمشاكله حل ،ولا يهم مرشحنا ما يحل به من هم ،
إن الانتخابات تستدعي أكثر من وقفة تأمل وأكثر من جلسة عمل ،وأكثر من كلام في لقاء وأكثر من حبر على ورق ،
وأكثر من خبر في جريدة ..وليس الخبر كالمعاينة كما قالت العرب قديما ونعيده حديثا ،على الأحزاب أن تكون أكثر شجاعة لتقطع مع الماضي الذي يتكرر كل حملة وكل اقتراع ،لتحفظ ولو قليلا من ماء الوجه الذي ضاع ،ولن تعيده الخطب المنبرية والخرجات الإعلامية ، بقدر ما يعيده الاعتراف بالذنب والعزم على المشاركة الفعلية للشباب في بلورة الثقافة السياسية ،وهو ما نتمناه في الانتخابات الجماعية المقبلة ،من أجل التنمية الحقيقية وإعادة الاعتبار للجماعات المحلية وإعادة الاعتبار للقرية المغربية.



نور الدين
البيار ،