الجمعة، فبراير 06، 2009
بين النهرين
أصبح سقوط المطر يخيف الناس ،مع العلم أنه يغبط الناس عموما لأنهم يستبشرون خيرا ،لكن كثرة الأحداث الأخيرة وسقوط المنازل وموت الصبيان والشيوخ ،حسب ما رأينا في التلفزيون وما خفي كان أعظم ،إن ما يحدث هو قضاء وقدر ،وان البيوت التي تهدمت على أصحابها في مدن متفرقة و الناس المتضررين هم ضحية بناء عشوائي يتحمل مسؤوليته أعضاء الجماعة ورئيسهم المغوار ،إن رؤساء الجماعات لا يقومون بعملهم كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور ،
وكما تعهدوا به في حملتهم الشبيهة بمسرحية ،وكذلك المسؤولية ملقاة على عاتق الأحزاب التي ترشح هؤلاء والمسؤولية أيضا على الوزارة الوصية على قطاع الجماعات التي لا تراقب جداول الرخص والبناء العشوائي والتي ينبغي عليها أن تفتح أعينها طوال العام وليس في موسم حصاد الأصوات فحسب ،
إن ما يجري وجرى هو ماء لم يجد قنوات للصرف الصحي تحيله على المكان المخصص له ليتفادى المواطنون السقوط في الحفر الكثيرة التي تزايدت هذه الأسابيع، تزامنا مع زيارة المطر هذا الضيف الجميل والمشاغب في الآن نفسه،
فهو بلا انقطاع ،كالدم المراق كالجياع كالحزن كالأطفال ،كالموتى هو المطر ،كما قال السياب في قصيدته الرائعة ''أنشودة المطر''
إذا كان المطر بلا عقل فالبشر خلقهم الله عاقلين وبهذه النعمة ،نعمة العقل عليهم أن يحافظوا على نعمة أخرى هي نعمة الحياة ،وبالتالي التصرف وفق المعقول وذلك باتخاذ إجراءات عقلانية لتفادي سقوط المنازل وانجراف الحيطان وذلك بالبناء وفق القاعدة المعمول بها ،وكذلك الاحتراس من السكن قرب النهر الجارف ،فكم من أحد جرفه التيار وأخذه إلى المجهول ولا يعرف له طريق ، وقد سمعت قصص واقعية وأنا صغير عن جرف النهر لبعض أفراد القرية ،عندما كان النهر نهرا بمعنى الكلمة ،ومع توالي سنوات الجفاف لم يعد يخيف حتى الأطفال الصغار الذين يمرحون ليل نهار في الوحل ،ويعبرون النهر ليمروا إلى المدرسة التي تقع بين نهرين ،صغيرين .أحدهما في الشمال وآخر في الجنوب .
كان أطفال القرية المجاورة لقريتنا يقطعون هذا الطريق يوميا في الصباح وبعد الظهر وفي المساء ،قبل أن يفتحوا مطعما صغيرا في المدرسة ،مطعم له قصة أخرى إذ أن وجباته غريبة ويقال أنها مستوردة ،خصوصا الزبدة التي تصيب بالدوار
بعدما أصبح التلاميذ يتناولون هذه الوجبات مكرهين لا أبطال .تقلصت المسافة قليلا وأصبحوا يأتون إلى المدرسة في الصباح والعشي .،يحملون كيلوغرامات لا باس بها من الكتب والدفاتر ،كتب العربية والفرنسية والنشاط العلمي والأعمال الفنية! ..الخ
و من حين لأخر تعترض الكلاب الضالة طريقهم ، ما يصيب الأطفال أولاد قسم التحضيري خصوصا بالهلع ،الأثقال والأمطار والكلاب الضالة وخرير مياه النهر وظلمة المساء ،كوكتيل متوحش يحول حياة الطفل البريء إلى كابوس ،كيف لطفل في مثل هذه الظروف أن يستوعب ،بينما أهل الحل والعقد يتكلمون عن فك العزلة ،!أي عزلة؟؟ إن أطفال العالم القروي يعانون يوما بعد يوم ،لا يعرفون مكانا اسمه حديقة الألعاب أو البارك ولا يلعبون'' البلاي ستاشن'' .ولا يفهمون الرسوم المتحركة التي يقدمها التلفزيون بالفرنسية ،ولا أخبار المساء التي يقدمها التلفزيون قبل العربية ،هذه الأيام يكثر التلفزيون من الفرنسية وكأن 90في المئة من المغاربة يتكلمون بها بينما الباقي يتكلم العربية .التي لا يجيدها مع الأسف اغلب مذيعي التلفزيون ، تتوا صل المعاناة بين نهرين وبين جيلين ،جيل ألف ما يجري وجيل لم يألف ما يجري كل ما يعرفه انه يحتاج إلى دروس الدعم لأن المعلم بحكم الطقس هذه الأيام لا يواظب على الحضور ،أمر طبيعي ،فدراجته لن تستطيع عبور الأوحال ،والحفر المنتشرة بكل مسؤولية في الطرق والمسالك القروية عل مرأى من مسؤولي الجماعات القروية ،.
مكتوب على حضارة بين النهرين غزو الغازين ومكتوب على قريتنا مرور نهرين يصعب على التلاميذ عبورهما إذا استمر الجو ماطرا حتى ولو اشتد للدرس الحنين.
بين القصرين رواية جميلة لنجيب محفوظ تحكي واقعا وبين النهرين رواية أخرى أبطالها أطفال وتلاميذ وسكان قرية ورؤساء جماعات وبرلمانيون ونساء وشباب وأناس عاديون وآخرون برجوازيون ،ولصوص وقطاع طرق ومرتشون
لم يكن بخلدهم يوما أن تصنع منهم الحياة أبطالا لرواية ،كتبها الزمن ذات شتاء .
نورالدين البيار
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم تباك الله هذا حال مغرب2009!!! فين...-أسمعت لو كلمت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي-حسبناالله (إوا-المسؤولين-لقاو علاش إتزايدو في المسرحيةالإنتخابيةالقادمة)مصائب قوم عند قوم فوائد.المواطن مسكين هو للي واكلهاغي الله يشملنابرحمته(فوائد الملمات أنها تذكرنا بالله)مشكور أخي. السلام عليكم
إرسال تعليق