الأحد، دجنبر 02، 2012

الجحـــــيمٌ المتنــــــقـــلٌ







 
سياق الكلام عن هذا الموضوع جاء بعد تجربة ،شخصية عشتها ،وأنا داخل إحدى الحافلات الجحيم،حيث سُرق هاتفي النقال،
الحافلات في مدينة الدارالبيضاء عالم خاص لا يعرفه الا الداخلون إليه والراسخون في العذاب المترتب عن علاقتهم بهذا الشيء المسمى "حافلة"بدءا من  الانتظار حيت يمكنك أن تنتظر الحافلة لساعة ولا تأتي ،مرورا بعملية الهروب التي يعمد إليه بعض السائقين الذين لايرغبون في التوقف،بسبب أنهم انطلقوا متأخرين في الغالب او لأنه ببساطة" مرشقاتش ليه يوقف ليك"تبدأ الجحيم من هنا ثم تتواصل أكثر عمقا عندما تصعد وحسب نوع الخط ورقمه والحي الذي تتوجه إليه الحافلة،
فهناك حافلات تبدو جديدة فيها الكراسي كثيرة ،والزجاج جميل ،لن يشغل بالك أحد فيها غير بعض الباعة المتنقلين،والمتسولين نصبا،وهذه قصة أٌخرى تحتاج لمقال آخر ،هناك خطوط أخرى وقد تشمل مسافة طويلة او قصيرة،من وسط المدينة الى سيدي مومن او الى سيدي عثمان او حي مولاي رشيد،او البرنوصي،في الخط رقم 2 لحافلات المدينة  حيث ثم نشل أزيد من هاتف نقال ،يبدأ جحيمك من الساعة الخامسة ،غير بعيد عن باب مراكش وفندق ريجنسي الشهير ،المحطة تمتلئ بالوافدين الذين انتهى دوامهم،شباب شابات نساء ورجال وحتى أطفال ومراهقين،اكتظاظ قبل مجيء الحافلة،الساعة الخامسة والنصف تماما تصل الحافلة ،تزاحم شديد وتدافع في كلتا البابين الأمامي والخلفي وصراخ غالبا من النسوة ،وعمليات النشل وفن استعمال الانامل يبدأ من هنا،حيت يستغل لصوص الحافلات ،المتخصصين فترة الازدحام هذه من أجل تفريغ جيوب الركاب الذين لم يعودوا آمنين في هذه الحافلات اللغز،
شابة في العشرين تتكلم في هاتفها مع صديقتها ،وبعد انتهاء المكلمة بتواني يختفي هاتفها ،مع العلم ان الحافلة لم تكن مزدحمة بشدة،
اقترح أحدهم ان تتوجه الحافلة الى مخفر الشرطة ويتم تفتيش الركاب ،واحدا واحدا واحدا ،في حين أشار آخر أن اللص قد نزل فعلا وبدون محطة مخصصة،للنزول ،يكتبونها أحياننا "ممنوع النزول بدون محطة،أمر السائقين غريب ،لايتوقف لك أنت لتركب ويتوقف للسارق لينزل بدون محطة ،الأمر يثير الاستفهام،حتى أن أحد الركاب أخبرني ان اللصوص يبيعون الهواتف المسروقة لبعض المستخدمين في الحافلات،
بعض الحافلات عمد اصحابها الى تعليق اعلانات تدعو الى دفع ثمن التذكرة وتحذر من مغبة التمادي ،مؤثثة نشرتها بالقانون الجنائي الذي ينص على الحبس والغرامة لكل من لم يدفع ثمن مقعده داخل الحافلة،
وماذا لو قضيت الرحلة واقفا بدون مقعد ،هل علي أن أدفع ؟؟يتساءل أحدهم
حرارة الحافلة مرتفعة والعرق يتصبب من كل راكب والزجاج مغلق في حر الصيف أو مكسور في عز البرد،والكراسي مبللة قطعا عند نزول المطر ،ابق واقفا،واللصوص يتربصون  ومتحرشُّ يحتك بالمؤخرات وصراخ في عمق الجحيم، وسكًير يثير الرعب لدى امرأة في مقدمة الحافلة ، ورائحة الخمر تفوح من فمه بشكل مقزز ،والمراقبون لا يصعدون الا لماما ،وإذا صعدوا لايهمهم أشاربُُ أنت للخمر ام للشاي المهم أن تدفع الثمن!،وسواء سُرقت أم سَرقتَ لا يهم،ومعاق يقف بصعوبة عند الباب ،وشباب أصحاء جالسون على الكراسي يضحكون،ومراهقة تضع سماعة في أذنها خارج التغطية ،
في الحافلة كل شيء يوحي بالفوضى ،المواطن الذي ينبغي أن يحس بالأمان بعد قضاء يوم شاق في العمل يجد نفسه يعاني
في جحيم ملئ بالتناقضات،عليه أن يتدافع ويكون يقضا ويمسك بهاتفه في جيبه ،مترقبا لأي طارئ .
حتى في زمن الحرب لا اعتقد أن  الحافلات كانت بهذا الشكل المخيف والباعث على القلق والتساؤل، فمن سيجيبُ؟؟؟

ليست هناك تعليقات: