الاثنين، أبريل 27، 2015

بين "موريزڭو" و"الصوفي".. و"مول البنوات"






ٍ


 يقول المثل المغربي "جوج متوصلش عندهوم, الطبيب و البوليس" و كم تحس بعدم قيمتك كمواطن مغربي في مستشفياتنا العمومية, و تطرح السؤال "هل المواطن المغربي البسيط رخيص في وطنه لهذه الدرجة ؟ "عندما دخلت لقسم المستعجلات بمستشفى مولاي يوسف المعروف ب"الصوفي" نسيت السبب الذي جئت من أجله بعدما تعرضت لحادثة سير بدراجتي الهوائية انتفخت معها يدي اليسرى و اعتقدت أنها تعرضت لكسر... فانضممت إلى "فيراج" جمهور المرضى نشاهد حالات أفظع و أبشع لم يكتب لها بعد أن تلقى الاهتمام, مع العلم أنها حالات مستعجلة من تسمم أو جروح بليغة أو انهيار عصبي أو امرأة حامل..يتهيأ لك للوهلة الأولى أن خمسة أطباء سيحملون كل مريض في السرير المتحرك و يجرونه بسرعة للعناية المركزة على طريقة الأفلام, لكن الواقع شيئ آخر, فقسم المستعجلات في الصوفي يتحول فيه الأطباء إلى أشباح لا تراهم إلا ناذرا !تركت مكاني في قاعة الإنتظار لوافد جديد, حينما تذكرت سبب مجيئي فآلمتني يدي كثيرا, مر الطبيب من أمامي مسرعا, فاستنجدت به, ثم قام بفحصي في الممر في عشر ثوانٍ و قال لي "سير دير الراديو فموريزكو معندناش هنا الراديو مزال مصلحوه",بعدها أمر المتدربة بأن تقوم بحقني بإبرة لكي يخفف لي الألم..ذهبت معها للمرقد حيث توجد ثلاث أسِرةٍ, الأولى ترتعش فيها امرأة مسنة ترافقها ابنتها التي قالت إن الطبيب وعدها أنه سيعود بعد دقيقة, الدقيقة تحولت إلى نصف ساعة و لم يعد.. السرير الثاني فارغ و متسخ و فيه قطرات دماء, أما السرير الثالث ينام فيه رجل بدون غطاء و قد وضع أحدهم حذاءه فوق سريره, ويظهر لك جليا أنه تبول فوق السرير و قد انبعثت رائحة كريهة في المكان, فأين عاملو النظافة في المستشفى و أين الممرضون و الأطباء ؟ أين الإخلاص في العمل ؟ أين البرامج و الإستراتيجيات و المخططات الخماسية و السداسية التي لا طالما سمعنا وزراء الصحة يهللون بها ؟ أيعقل أن يكون في المغرب ممرض واحد لكل 1630 نسمة بينما دول عربية جارة كتونس والجزائر، حيث يوجد ممرض لكل 300 أو350 مواطنا !بعد أن حقنتني الممرضة نصحتني بأن أذهب عند "مول لبنوات" في درب السلطان "سير عندو يدير ليك الجبيرة راه دقة بطلة" !تركت تساؤلاتي حول نقص الموارد البشرية وضعف البنية التحتية في المستشفى متوجها لمستشفى ابن رشد أو موريزڭو , أكبر مرفق صحي بالعاصمة الاقتصادية, اصطدمت في باب المستشفى "بإستنطاق" من حارس الأمن, واستجوبت طويلا في "الاستقبال" هناك حيث اتخذت أفراد بعض عائلات المرضى الراقدين بالمستشفى المكان للنوم مفترشين "الكرطون".. المكان لا يوحي أنه مستشفى !و فجأة سمعنا أحدهم في الداخل يصرخ و يسب و يشتم الأطباء و يهدد لكي يهتموا بصديقه الذي تعرض لحادث سير خطيرة و بقي ساعة ينتظر قدوم الطبيب.. و أخيرا "خدا حقوا بيديه"بدا لي المكان مكتضا بمئات الأشخاص, "عالام هاد الشعب كتلقى هي واحد مريض جاي معاه عائلتو و دربوهم كامل" هكذا يعلق أحدهم و يرد عليه صديقه "و الله ما جا معاك لي يوقف معاك لا داها فيك شي حد" .و بعد أن عرفت أخيرا أين يوجد الطبيب الذي سيعالجني و جدت أحد الأشخاص ثملا, ووجهه أحمر بالدماء و عيناه مغلقتان و منفوختان و يردد كلمة واحدة "حڭروني, حڭروني" و عند مجيئ الدكتور "المنتظر" أمره بأن يذهب ليتسجل أولا و يدفع ثمن الزيارة, أيعقل أن المساطر الإدارية أولا و العلاج ثانيا مهما كانت خطورة الوضع ؟بعد أن ألقى التحية و عاين يدي أرسلني لأقوم بالراديو عند "الجيلالي" الذي كان رجلا أسمر و رغم أنك ترى في عينيه الحقد على المهنة إلا أنه لا يزال يحتفظ بإنسانيته و طيبوبته و ظميره المهني "فقد فضل أن يقوم ب"راديو" واحد يجمع بين معصم يدي و أصابعي توفيرا للمال على أن يقوم بكل واحدة على حده كما أمر الطبيب ..رجعت عند الطبيب الذي عاين نتيجة الراديو في غرفة ضعيفة الإضاءة إن لم أقل تكاد أن تكون منعدمة, فقال لي "راك ممهرس ما والو ,شري دوا و بانضا باش تبرى"أخدت وصفة الدواء و لم أقدر على المغادرة, تملكني شعور بالمسؤولية و الندم اتجاه الناس الذين يتوسلون حقهم في التطبيب, تذكرت إحدى تدخلات الوزراء حول موضوع الصحة في البرلمان أو التلفاز, فشككت في كلامهم بحجة لم لا نرى أحدهم يعالج في مستشفيى عام, أو وزيرا يدرس ابنه في مدرسة عمومية..غادرت و نسيت يدي المنتفخة بعدما امتلأ قلبي شفقا على حال الشعب المغربي فما عاينته في جولة خاطفة بأكبر مستشفيين بالبيضاء، أمر يعيشه آلاف المغاربة في المستشفيات العمومية يوميا و من المغاربة من لم يجد مكانا يعالج فيه لبقى أمثل حل للعلاج في هذه البلاد هو"مول البنوات" والوصفات التي تقدم في برامج الراديو ..